تتسبب الكثير من المواد الكيميائية في إحداث أضرار بليغة على صحة من يتعرض لها ، فعدد كبير منها يمتلك خواص سمية قد تظهر آثارها خلال فترة زمنية قصيرة أو طويلة تبعا لنوع تلك المادة ومقدار الجرعة والتركيز وعمر الشخص المصاب ووزنه والخصائص الجسدية والوراثية والعديد من العوامل والمتغيرات الأخرى.
لقد لاحظ الإنسان منذ سنوات طويلة مدى قدرة الكثير من المواد الكيميائية على إحداث خلل وتشوهات خلقية للأجنة ومدى قدرة هذه المركبات أيضا على إحداث انعكاسات خطيرة على النساء الحوامل .
لقد سجلت أولى هذه الملاحظات في مطلع القرن الماضي عندما وجد أن تعرض النساء الحوامل للإشعاعات النووية ينجم عنه ولادة أطفال متخلفين عقليا ، وان هذه الإشعاعات تمتلك قدرة فائقة على إحداث خلل في أجهزة أجسام الأجنة كالأجهزة العصبية المركزية والعظام والدورة الدموية وغيرها .
كارثة دواء الثاليدومايد Thalidomide
في بداية الستينيات من القرن الماضي استخدم دواء الثاليدومايد كدواء مهدئا Sedative Tranquilizer في كل من ألمانيا وبريطانيا والكثير من الدول الأوروبية ، وخلال فترة زمنية قصيرة اكتشفت الآثار التدميرية لهذا الدواء الخطير على النساء الحوامل ، حيث ولد في تلك الفترة أكثر من عشرة آلاف طفل بعاهات جسدية مختلفة ، تمثلت في معظمها بما أطلق اسم ( فقمة الأطراف phocomelia ) أي ولادة أطفال بدون أطراف مكتملة المعالم أو أن أطرافهم قصيرة في معظم الأحيان ، وقد بينت الدراسات التي أجريت في حينه أن تلك النساء الحوامل قد تناولن دواء الثاليدومايد أثناء الحمل ولو لمرة واحدة وبخاصة ما بين الأسبوع الثالث والأسبوع السابع من الحمل.
آلية فعل المشوهات الخلقية Teralogenic
تعمل بعض المواد الكيميائية على إحداث تشوهات لدى الإنسان عند التعرض لها أو دخولها في جسده ويكون ذلك خلال فترة زمنية قد تكون قصيرة أو طويلة ، وتحدث تلك المواد تشوهات خطيرة أو تغيرات حادة لدى من يتعرض لها ضمن آليات مختلفة ، ينجم عنها في النهاية حدوث خلل أو تشوه خلقي خطير قد تمتد آثاره إلى أجيال لاحقة ، وهذه الآليات هي :
1- إحداث الطفرات الوراثية Mutation
هناك الكثير من المواد التي تعمل على إحداث طفرات وراثية لدى من يتعرض لها ، ومن أهم هذه المواد ، المواد المشعة والمواد والكيماويات المسرطنة والحوامض الآزوتية والديوكسينات ومن أهمها 2,3,7,8, Tetrachlorodibenzo para 6 dioxin (TCDD) وهذه المركبات تحدث خلل في التركيب البنائي للخلية المولدةGerm cell ، وما ينجم عنه من انتقال للطفرة بالوراثة ، وهناك في الواقع اكثر من 20 % من التشوهات تتبع هذا النوع ، حيث يعقب ذلك حدوث تغيرات على مستوى الخلية الجسدية Somatic Cell .
2- التغير في الصبغات Chromosomes Changes
تعمل بعض المواد المشعة على إحداث خلل في الصبغات الوراثية ( زيادة ، نقص ، كسر في تركيبها ) وهذه التغيرات في الصبغات الوراثية تتسبب في حدوث 3 % من حالات الإعاقة والتشوهات .
3- التدخل في انقسام الخلايا Mitotic Interference
بعض المركبات كالهيدروكسي يوريا Hydroxy Urea والمواد المشعة وبعض الكيماويات النباتية مثل الكولشيسين والفاينبلاستين والفاينكرستين والمستخرجة من بعض النباتات كالكاثارانسيس ومن الفانكروزا Vincarosa والمعروف باسم عين القط ، وهذه المواد تؤثر على تكون الحامض النووي DNA وتثبط من انقسام الخلايا ، هذا علما بأن بعض هذه المركبات تستخدم كعلاجات ضد سرطان الدم .
4- نقص الطاقة المولدة Deficient Energy Supply
يلزم الجنين أثناء عملية النمو طاقة لإنجاز عملية النمو بشكل جيد ، وقد وجد أن بعض المركبات الكيميائية تعمل على إيقاف وتقليل هذه الطاقة مما يؤدي إلى حدوث تشوهات خلقية خطيرة ، ومن أهم هذه المركبات ، بعض أنواع السيانيد وثنائي نترات الفينول .
5- التغير في الضغط الأسموزي للخلايا
ومن أهم المركبات الكيميائية التي تؤثر على الضغط الأسموزي للخلايا ، صبغة التريبتان الزرقاء Tryptan Blueوالكورتيزول ، حيث تعمل هذه المركبات على إحداث ما يعرف بالوذمة Odemaوالتي تعمل على التأثير على النمو الطبيعي لبعض خلايا الجسم .
6- التغير في التركيب الدقيق للغشاء الخلوي
إذ يؤدي ذلك إلى تسرب بعض المواد اللازمة لعمل الخلايا ، ومن أهم المركبات الكيميائية التي تسبب هذا الفعل ، محلول ثنائي مثيل سلفوكسيد Dimethyl Sulfoxide .
7- التدخل في وظائف الأحماض النووية
من أهم المواد التي تتسبب في تغير وظائف الأحماض النووية ، السيتوزين Sytosin ومادة 6 – ميركابتوبورين 6-Mercaptopurine ، وهذه المواد تتسبب في إحداث تشوهات خلقية للأجنة.
8- تثبيط عمل الإنزيمات
تلعب الإنزيمات دورا فاعلا في عمل الخلية ، وقد وجد أن بعض الكيماويات تثبط من نشاط الإنزيمات ، ومن أهم هذه المركبات 5 – فلوريدوراسيل 5-Flourduracil والذي يعمل على تثبيط إنزيم ثيماديليت سينيثينيز Thmidylade Synthesize .
أبحاث مستمرة في مختبرات حديثة ومتطورة لدراسة مخاطر المواد الكيميائية
أمثلة على المواد الكيميائية المشوهة خلقيا عند الإنسان
1- الكحولات Alcohol
مما لا شك فيه أن إدمان شرب الكحولات والمواد المسكرة يؤدي إلى متاعب صحية جمة وخطيرة للغاية ، وقد بينت الدراسات أن إدمان الحوامل على شرب الكحول أثناء الحمل يؤدي إلى ظهور ما يسمى بالتناذر الكحولي للحمل ، ومن أهم أعراضه :
أ- تخلف في النمو.
ب- تشوهات خلقية في الوجه.
ت- تشوهات في الجهاز العصبي وتخلف عقلي.
ويمكن تفسير ظاهرة التناذر الكحولي ، في أن الكحولات تعمل على التسبب في نقص الأوكسجين الواصل إلى الجنين عن طريق الأم ، كما تعمل السموم الناجمة عن إستقلاب الكحولات في جسم الأم كالأسيتالدهايد ، على تسمم الجنين العاجز أصلا عن التعامل مع هذه المواد الخطرة.
2- الديوكسينات
تشتمل عائلة الديوكسينات على حوالي 135 نوعا من مركبات PCDFS وعلى 75 نوعا من مركبات PCDDS وأيضا مركبات شبيهة بالديوكسينات مثل PCBS ، وهذه المركبات تتكون من حلقتي بنزين ترتبطان بذرتي أكسجين ، وهي تتباين فيما بينها وتختلف خواصها الفيزيائية والكيميائية ودرجة سميتها بشكل كبير.
هذه المركبات والتي تتميز بثبات تركيبها البنائي ، وجد أن الكثير منها يتسبب في إحداث تشوهات خلقية للأجنة خاصة في المراحل الأولى من تكون الجنين ، كما أنها تزيد من احتمالية إجهاض الأم الحامل عند تعرضها لجرعات عالية من هذه المركبات لمدة طويلة .
3- ميثيل الزئبق Methyl Mercury
الكثير من مركبات الزئبق تمتلك خواص سمية قوية ، كما تمتلك خواص تراكمية في داخل الجسم ، ويكثر التسمم بمركبات الزئبق بسبب تناول أسماك وأحياء مائية عاشت في بحار وبحيرات ملوثة بمركبات الزئبق.
4- حامض الفوليك Folic Acid
يؤدي هذا الحامض دورا هاما في صنع الأحماض النووية والأمينية في الخلية ، ومن الأمثلة على هذا النوع ، دواء الميثوتركسيت Methotrexate .
5- الهرمونات الصناعية
أ – مشابهات هرمون البروجستيرون Progesteron ، حيث تظهر على الأطفال الإناث المولودات من أمهات تناولن هذا الهرمون أثناء الحمل بعض الصفات الذكرية .
ب- مشابهات هرمون الأستروجين ، وقد دلت الدراسات والمسوح الصحية أن هذا الهرمون والذي يعطى كمثبت للحمل ، قد أدى إلى إصابة تلك النساء ببعض أنواع السرطان خلال فترة زمنية تراوحت بين 15 إلى 20 عاما من تناول هذا الهرمون .
المراجع
1- البيئة الداء والدواء ، أ . د أحمد الرج العطيات .
2- التسمم بالديوكسين خطر يهدد حياة الإنسان ، المهندس أمجد قاسم ، مجلة الفيصل العلمية ، المجلد الأول ، العدد الثاني 2003
المصدر : منقول